كلمة الحياة آذار 2010
كم من مرّة تشعر في حياتك بالحاجة إلى مَن يمدّ لك العون، وتدرك في الوقت ذاته أنّ ما من أحد يستطيع أن يحلّ مشكلتك
فتتوجّه إذّاك، من دون أن تنتبه، إلى مَن يعرف كيف يجعل المستحيل ممكنًا: تتوجّه إلى مَن اسمه يسوع.
" الحقّ أقول لكم: لو كان فيكم من الإيمان مقدار حبّة خردل لقلتُم لهذا الجبل: إنتقل من هنا إلى هناك فينتقل، وما استحال شيءٌ عليكم."
من الواضح أنّه ليس عليك أن تأخذ عبارة " نقل الجبال" بحرفيّتها، فالمسيح لم يَعِدْ تلاميذه بالقدرة على صنع العجائب المذهلة لإثارة دهشة الجماهير.
في الواقع،، إذا رحت تبحث في تاريخ الكنيسة كلّه، فإنّك لن تجد قدّيساً – على علمي – نقل الجبال بواسطة الإيمان. Gianna Beretta Molla Pier Giorgio Frassati Chiara Luce
إنّ عبارة " نقل الجبال" هي نوع من الغلوّ، أي طريقة تعبير مبالغ فيها عن قصد، غايتها أن ترسّخ في ذهن التلاميذ هذا المفهوم: أنّ لا مستحيل مع الإيمان.
فكلّ آية حقّقها يسوع، هو بذاته أو بواسطة خاصته، حقّقها من أجل خدمة ملكوت السماوات، أو الإنجيل، أو من أجل خلاص البشر. ونقْل الجبال لن يخدُم هذا الهدف!
وتهدف المقارنة "بحبّة الخردل" إلى التأكيد أنّ المسيح لا يطلب منك قبل كلّ شيء إيمانًا كبيراً أو صغيراً، بل إيماناً صادقاً. وميزة هذا الإيمان الصادق أنّه يستند على الله وحده لا على قدراتك الشخصيّة.
فإذا تملّكك الشك أو تزعزع إيمانك، فذلك يعني أنّ ثقتك بالله ليست تامةً بعد. فإيمانك ضعيف وقليل الفعاليّة، ما زال يعتمد على قواك الذاتيّة وعلى منطقك البشريّ.
أمّا الذي يضع ثقته كلّيًاً في الله، فهو يدعُ الله يتصرّف من خلاله أمّا الذي يضع ثقته كلّيًاً في الله، فهو يدعُ الله يتصرّف من خلاله... وما من مستحيل عند الله. إنّ الإيمان الذي يطلبه يسوع من تلاميذه، هو بالضبط ذلك الموقف الكليّ الثقة الذي يتيح لله أن يظهر قدرته.
وهذا الإيمان، الذي ينقل الجبال إذاً، ليس خاصّاً ببعض الأشخاص غير العاديّين. إنّه ممكن وواجب على كلّ المؤمنين.
" الحقّ أقول لكم: لو كان فيكم من الإيمان مقدار حبّة خردل لقلتُم لهذا الجبل: إنتقل من هنا إلى هناك فينتقل، وما استحال شيءٌ عليكم."
وأغلب الظنّ أنّ يسوع قال هذا الكلام لتلاميذه حين كان على وشك أن يرسلهم للبشارة.
من السهل أن تخور عزائمنا، وينال منّا الخوف عندما نشعر أنّنا قطيع صغير غير مهيّأ، لا مواهب خاصّة له، وغير مستعّد لمواجهة الجماهير التي يجب أن ننقل إليها حقيقة الإنجيل.
من السهل أن نفقد شجاعتنا في مواجهة أناس لهم اهتمامات تختلف كلّ الاختلاف عن متطلّبات ملكوت الله. فالمهمّة هذه تبدو مستحيلة.
إذّاك يؤكّد يسوع لخاصّته أنّهم بالإيمان " ينقلون جبال" لامبالاة العالم وعدم اهتمامه. إذا توفّر عندهم الإيمان فما من مستحيل عليهم.
وهذه الآية تنطبق على ظروف الحياة كافةً وهذه الآية تنطبق على ظروف الحياة كافةً. شرط أن ترتبط بهدف نشر الإنجيل وخلاص البشر.
أمام الصعوبات التي لا يمكن تذليلها، قد يقع الإنسان أحياناً في تجربة عدم الالتفات إلى الله حتّى. ويوحي إليه المنطق البشريّ بأن يفكّر: كفى، لا يفيدك ذلك لأّيّ شيء. وها إنّ يسوع يحثّنا على عدم اليأس وعلى التوجّه بثقة إلى الله، هو الذي يستجيب لنا بطريقة أو بأخرى.
هذا هو إختبار لِيلّى. كانت قد مرّت بضعة شهور منذ اليوم الذي وصلت فيه برجاء كبير لتواجه العمل الجديد في منطقة الفلاندر في بلجيكا. وبدأ شعور بالعزلة والخوف ينتابها بشدّة.
بدا وكأنّ حاجزاً لا يمكن اختراقه قد نشأ بينها وبين زميلاتها. شعرت بأنّها معزولة، غريبة بين أولئك الأشخاص الذين كانت تودّ فقط أن تخدمهم بمحبّة.
كلّ ذلك كان لأنّها تتكلّم لغة ليست لغتها ولا لغة من يسمعها كلّ ذلك كان لأنّها تتكلّم لغة ليست لغتها ولا لغة من يسمعها. فقد قيل لها بأنّ الجميع في بلجيكا يتكلّمون اللغة الفرنسيّة فتعلّمتها. ولكنّها حين اختلطت بهذا الشعب مباشرة لاحظت أنّ سكّان تلك المنطقة يدرسون الفرنسيّة في المدرسة وحسب، ويتحدّثون بها عادة على مضض.
حاوَلَت مرّات عديدة، عبثًا، أن تزعزع هذا الجبل من التهميش الذي كان يعزلها عن زميلاتها. فما عساها تفعل من أجلهم؟
ما زالت تذكرأمامها وجه "غودلياف" الحزين، وهي إحدى زميلاتها، حين انسحبت في ذلك المساء إلى غرفتها من دون أن تمدّ يدها إلى طعامها. حاولت لِيلّى أن تتبعها، لكنّها توقّفت أمام بابها، خجولة ومتردّدة. كان بودّها أن تقرع الباب... ولكن بأيّ كلمات تكلّمها لكي تستطيع فهمها؟ بقيت هناك بضعة لحظات، ثمّ تراجعت مرّة جديدة.
وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلى الكنيسة، وجلست في آخر المقاعد، ووجهها بين يديها لكي لا يلاحظ أحد دموعها. كان ذلك المكان الوحيد حيث لا حاجة لتكلّم لغة أخرى، ولا حاجة حتّى لتبرير الذات، لأنّ هناك مَن يفهم أبعد من الكلمات. وهذه الثقة بأنّ هناك من يفهمها، جعلتها أكثر شجاعة وحملتها على أن تخاطب يسوع بغصّة قائلةً:" لماذا لا أستطيع أن أشارك رفيقاتي آلامهنّ فأقول لهنّ ما أفهمتني إيّاه أنت يوم إلتقيتك: إنّك قد حوّلتَ كلّ ألم إلى فعل محبّة؟".
وكانت أمام بيت القربان كأنّها تنتظر جواباً من ذاك الذي نوّر كلّ ظلمة في حياتها. ووقع نظرها على إنجيل ذلك اليوم وقرأت:" ثقوا، آمنوا، لقد غلبتُ العالم."(أنظر يوحنّا 16،33). وكان لهذه الكلمات وقع البلسم في نفسها، فشعرت بسلام كبير.
وعندما عادت لتناول الفطور، صادفت "أنّي"، الفتاة التي كانت تُعنى بتدبير المنزل، فحيّتْها ولحقَتْ بها إلى المطبخ، وراحت تساعدها في إعداد الفطور من دون أن تتكلّم. وكانت "غودلياف" أول مَن نزل من غرفته إلى المطبخ لتناول قهوتها بسرعة كي لا ترى أحدًا. لكنّها توقّفت فجأة وقد لمس السلام المشعّ من ليلّى عمق قلبها وأثّر بها أكثر من أي كلام.
وعند المساء، في طريق العودة من العمل، لحقت "غودلياف" بلِيلّى على الدرّاجة، وبذلت جهدًا كبيرًا لتخاطبها بلغة تفهمها وهمست لها:" ما من حاجة لكلماتك. فاليوم مثل حياتك قال لي: عليك أن تُحبّي أنتِ أيضًا". لقد انتقل الجبل.
" الحقّ أقول لكم: لو كان فيكم من الإيمان مقدار حبّة خردل لقلتُم لهذا الجبل: إنتقل من هنا إلى هناك فينتقل، وما استحال شيءٌ عليكم." كيارا لوبيك (أيلول 1979)